﷽
لا شك أن قلة من الناس ترغب بالعمل في جمع المواد القابلة لإعادة التدوير من بين أكوام القمامة لكننا لا نعيش في عالم مثالي، وما يقوم به هؤلاء العمال المجتهدون مثير للاهتمام وجدير بالدراسة فهؤلاء لم يحصلوا على عقود حكومية وليس لديهم أسطول من السيارات الضخمة خصصت لهم ولا يحتاجون لملايين الحاويات الملونة التي تضعها البلدية لفرز النفايات ل 20 نوعا وتشغل آلاف الأرصفة والشوارع ولا يحتاجون لجيش من الموظفين المؤمنين صحياً والمسجلين رسمياً ولا لعشرات المحاسبين والإداريين لتنظيم عملهم، لا يحتاجون لأي من ذلك لخدمة المجتمع وخدمة البيئة وخدمة أنفسهم بتوفير مصدر رزق حلال وببساطة فإن هؤلاء لا يحصلون على شيء عندما لا يعملون بعكس كثير من الموظفين قليلي الأمانة.
المهاجرين غير الشرعيين وآلية السوق الحر
يذكرني هذا بآليات عمل السوق الحر فالمجتمع عجز عن رفع هذه المواد التي لها قيمة من بين أطنان القمامة التي يرميها، والمؤسسات الرسمية لم تكن بالكفاءة المطلوبة لا لمنع رميها في القمامة ولالجمعها، فوجد بعض الناس فرصة في ذلك واستفادوا منها. كما أنه يذكرني بمفهوم الهجرة واللاجئين الذي ذكره ميتلون فريدمان فأغلب هؤلاء مهاجرون ورغم أنهم يأتون لأعمال ليست ذات صيت ولا ذات دخل جيد إلا أنهم يقدمون خدمات ضرورية وبعبئ اقل على المجتمع وعلى ميزانية الدولة من تلك الآليات الرسمية. وبلا شك أن هؤلاء العاملين يفضلون العمل في هذه الأعمال وكسب مبلغ متدني نسبيا على العودة إلى المكان الذي جاؤوا منه وهذا العمل هو مرحلة في سعي هذه الفئة لتحسين مستوى معيشتها تشبه المرحلة التي مر بها المهاجرون الأمريكيون الأوائل إلى الأرض الجديدة.
هل هم مشكلة بحاجة لحل؟
ربما إن ما يمكن اصلاحه في نظام جمع الورق المقوى والبلاستيك الذي نمى طبيعيا استجابة للهدر وضعف الكفائة للوسائل الموجودة، هو استبدال الوسائل الرسمية لجمع المواد القابلة للتدوير بخدماتهم والحرص على أن ينالوا معاملة كريمة لا كهاربين من القانون أو مهاجرين غير شرعيين وربما توفير نقاط فرز أقرب لأماكن نشاطهم بدلاً من سيرهم لعشرات الكيلومترات على أقدامهم. إن كنا نرى وجودهم كمشكلة فبلا شك ليسوا هم السبب بل هم أحد الحلول للهدر والإسراف. إن كنت لا تريد أن تراهم يبحثون بين أكوام القمامة فأحرص على جعل نفاياتك القابلة لإعادة التدوير منفصلة عن النفايات المنزلية وهذا شيء يمكن لأي منا القيام به. كما يمكننا توفير وسائل السلامة والنظافة المناسبة. ربما على المحلات التي تبيع هذه المواد القابلة لإعادة التدوير المساهمة بجمعها كما ساهمت بتوزيعها ولعلهم لن يجدوا وسيلة أكثر فعالية من هؤلاء لتخليصهم منها وفرزها في النهاية، وربما تستبدل البلديات حاوياتها العملاقة متعددة الأقسام بحاوية عادية واحدة وأخرى مخصصة لإعادة التدوير.
سرد بسيط للميزات التي قدمها هؤلاء العاملون الأحرار
كلفة صفر على دافعي الضرائب تمويل ذاتي • توفير الأموال المخصصة لشراء سيارات وآليات ضخمة • صفر انبعاثات لعدم وجود سيارات • توفير مبالغ لشراء آلاف الحاويات الضخمة متعددة الأقسام وآليات تفريغها • فائدة بدنية رياضية للعاملين • توفير مصدر رزق حلال لأنفسهم
كما ذكرت فإن هذه الظاهرة التي انبثقت بشكل طبيعي وبلغ عدد العاملين فيها الآلاف هي دليل على الفعالية الكبيرة التي يمكن للأعمال أن تسير بها عندما تتخلص من قيود البيروقراطية وتستفيد من آليات السوق الحر المفتوح الذي يلغي الحواجز على ممارسة العمل ولا يشترط إلا شيئين إثنين:
- إعمل بجد
- لا تؤذي أحدا
رأيي
شخصيا أعتقد أن من يمد يده لحاوية القمامة لكسب العيش الحلال هو أنظف ممن يعيش على ما يُسلب من الناس بغير طيب نفس منهم ومن مرتدي الملابس الرسمية آكلي المال العام غير مؤدي حقه.
— أسامه رياض، 27 صفر 1444هـ الموافق 23.09.2022 غريغوري